تجربة أم “لماذا السكري؟”

post Image>

إلى متى سأقيس سكري كل صباح وكل ساعتين وفي كل ليلة؟ متى سيستجيب الله لدعائي بالشفاء؟ ماذا يشعر الطفل الطبيعي بدون سكري؟ كيف هي حياتك أنتِ يا أمي بدون سكر؟لطفلي أنا كالظل ، ظل منير حتى في العتمة، وقد يراني هو شعلة الأمان له في درب الحياة.


ممر نسير فيه باتجاه النور، كله عراقيل وحفر، و بيوت عناكب و أحجار طينية ذائبة تتساقط من حين لحين علينا على دون مرأى منّا عن وقت الهطول.

موحلة هي بعض اللحظات بالشدة كالحصى وبعضها الآخر بكلمات منه تلين وتزهر كبستان عطر و زهر.

نغيب ونُشرق معًا و تعود تساؤلاته تشكّل أحلامًا كثيرة. في حالته، تظلّ الأحلام لا تفسير لها على أرض المنطق والواقع والحياة. أحلام وتساؤلات وجودية، وشك وتيه و لَبس بين أسطح ناصعة وأخرى كلها خربشات.

كيف بي أن أصبح موجّهة؟ أُبدل الحروف لتبقى في سياق حُر ومقبول في قوالب علمية محفوفة بوعود ربّانية له ليبصر على معنى أننا مُختارون في هذه الدنيا مسخّرون للعبادة وصابرون لنَيل الخلود في الجنة بكامل الصحة والعافية.

فيعود ليختم حديثنا برغبته في أمنية أن يحيا بلا داء، فأضمّه إلى صدري ويبدأ بيننا حديث طويل كالنهر عنّا وعن الدنيا والآخرة، تكون فيه بصيرتي كالشمس ورؤيتي من الدموع شبه معدومة.نعتاد أن نكون جبلًا متكأً لأطفالنا لأنهم يستمدون القوة منّا ويتعلمون الخلق الحسن واللين من تجاربهم معنا على مرّ الأيام. باتزان ووسطية، بعقل وحكمة، نبني داخلهم شعور ثابت غير متذبذب وثقة تقودهم لبر الأمان في تواجدنا أو عدمه، نتركهم ومغروسٌ في زوايا أجسادهم فسيلة مخافة الله والتعلق به وبأقداره، لتصبح الحياة من منظورهم أكثر واقعية فيعيشون فيها برضا تام وقناعة واستجابة صحيّة لكل ظروفها ووقائعها.

يعود في انحناءةٍ أخرى لتلك التساؤلات، فتعود بيننا لغة المصارحة بصدق، تبدأ بأن السكّري جزء منك وصديقك ورفيق حياتك الذي لن يغيب ولن ينتهي ولن يزول، أوجده الله فيك لحكمة واختارك الله لأنه يعلم قوتك وصبرك وشخصيتك التي تتغلب على الصعاب بحنكة وابتسامة قوية وإصرار على الحياة.

يعود ويغرس في أرضي سؤالًا صعبًا: لماذا أنا؟

لأعود وأجيبه وأقصص عليه بداية البشرية، من آدم عليه السلام إلى محمد عليه السلام وكيف أن الأقدار الإلهية واقعة على البشر جميعًا من أنبياء ورسل وعباد بلا استثناء، وكيف أن لكل فرد منا قدرٌ مكتوب يستوجب منّا الرضا والاستسلام واليقين بأن كل الخير هو كل ما يأتي من الله، حتى لو كان ما تراه يا بني لا يمثل لك خيرًا إلا أنك ستدرك في عمر ما خيرية قدرك.

تجربتي علمتني أن الأمومة بما فيها من مسؤوليات لا تتوقف على العلاقة بيني وبين أبنائي، ولكنها أيضًا تجبرني كأم أن أتواصل مع العلم والمعرفة بشكل دائم حتى أستطيع مواكبة تلك التساؤلات الوجودية التي أعجز أحيانًا عن إجابتها والتفاعل معها بشكل مقنع لأبنائي جميعًا، فإن كانت تلك الأسئلة تلحُّ على عقل ابني المصاب بالسكري فهي تلحُّ على عقل الآخرين من زوايا أخرى مختلفة وفي جميع الحالات لابد لي من التسلّح بالأصول الشرعية والعلمية بشكل مستمر ودائم.

من جديد إلى كل أم تواجه حياة مختلفة عن الحياة الطبيعية بوجود طفل أو طفلة أو أكثر بحاجة لرعاية خاصة نوعًا ما، لابد أنك ستدخلين نفقًا مظلمًا يقضّ على أنفاسك، لكن الجميل في الموضوع أن سنة الحياة هي في الخروج من ذلك النفق مهما طال السير فيه. لذلك إن كنتِ في أول النفق أو وسطه أو آخره، ضعي أمام عينيكِ فكرة الخروج الآمن من خلال اعتقادك وأملك الناصع بالبياض.

وكما قال طبيب النفس والأعصاب دانيال جيه سيجل: ”اللحظات التي تحاول فيها النجاة، وحسب، هي في الواقع فرص لمساعدة طفلك على الازدهار ومساعدته ليصبح شخص مسؤل، عطوف، مقتدر، قوي واثق كما تريده أن يكون“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × خمسة =

5 تعليقات

  1. يقول سميره الهويش:

    انا مصابه بالسكري و زوجة ابني من حملها اصبحت مريضة سكري درجه اولى و كثير تعبنا لكن سبحان الله اخذناها من ناحية ايجابيه انه تخلينا نهتم بصحتنا و ناكل اكل صحي و نعتني بلياقتنا و الحمد لله
    لكن في بنت خالي من عمر ٨ سنوات اكتشفوا عندها السكري و برضوا تاخذ أبر إنسولين و بالنسبه لخالي كان ضعيف امام مواجهة واقع مرض بنته و سبحان الله امها العكس حاولت تكون قوية و مراعيه لنفسية بنتها و مثل ما قلتي درست الموضوع و حاولت احتواء ابنتها و التعامل مع وضعها ، ألأم يعجز أي قلم وصف حنانها 🙏🏻💞👍🏻

  2. يقول Alaa:

    قادره على المواجه وصبوره وقويه .. هذه صورتك في بالي .. انتِ قدها ..
    ام عظيمه ماشاءالله .. ربي يفرح قلبك بشفائه يارب ويعينك
    رمز للتفائل والعطاء والصبر ❤️

  3. يقول رائد البغلي:

    مقال بديع، حيكت فيه العبارات بطريقة أدبية راقية، وسُفَّتْ فيه الأفكار بشكلٍ متشابك ومتسلسل، أما بخصوص فحواه، فلا يُكلِّفُ الله نفسًا إلا وسعها، ولكل ابتلاء حكمة ربانية وسبب عميق لا يعلمه إلا الله سبحانه، والحياة دائمًا قاسية في اختباراتها لصبرنا، لكننا نخرج من كل تجربة بحزمة من المكتسبات مهما كانت مؤلمة لنا.
    تمنياتي لابنك الشفاء العاجل، والطب في تطور وتقدم يومي، بل لحظي، وحتمًا ستتوصل الأبحاث لعلاج السكري مثلما توصلت لعلاج لأمراض كانت فتّاكة في وقتها مثل: الكوليرا، والبلهارسيا.

  4. يقول أروى جليدان:

    جميل جدا رؤى الله يسعدك و يقر عينك في ذريتك ❤️

  5. يقول Mark:

    Thanks for your blog, nice to read. Do not stop.